الأخلاق في الفکر الفلسفي والتصور الإسلامي لها

نوع المستند : المقالة الأصلية

المستخلص

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين                                         وبعد:
فإن شخصية المجتمع وثقافته تتحدد من قيمه الأخلاقية ، فالأخلاق تهذّب المجتمع وتقيم سلوکه وتدفعه إلى فعل کل خلق محمود ونبذ کل فعل مذموم، يقول الله تعالى ممتدحاً نبيه صلى الله عليه وسلم {وإنک لعلى خلق عظيم} (القلم : 4) وتقول عائشة رضي الله عنها واصفة خلق النبي صلى الله عليه وسلم [کان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن]   (صحيح مسلم ،1991 ، 512  ) .
لقد کانت الأخلاق الإسلامية أحد عوامل نشر هذا الدين في العالم وخصوصاً ما کان يتعامل به التجار في البلدان التي يقصدونها، ولکن مع اهتزاز الموازين الأخلاقية وإهمال واندثار بعض القيم والمفاهيم التي هي من دين الإسلام ساء تعامل البشر وکان انهيار الأخلاق سبباً في انهيار الأمم على مر العصور.
فعلم الأخلاق هو السلوک الإنساني من حيث کونه خيراً أو شراً فهو يقوّم السلوک وفق معيار أخلاقي معين، فيهتم بالقيم لا بالوقائع  و ما يجب أن يکون لا ما هو کائن . موضوعه أحکام تقويمية يقاس بها السلوک وليس احکاماً تقريرية، ولهذا يندرج علم الأخلاق في الفلسفة تحت مبحث الشئ الجميل الذي  يدرس الخير في صوره المتعددة من القيم . لذلک سأتناول في هذا البحث الفکر الأخلاقي عند علماء الفلسفة في الفلسفة المثالية، والفلسفة الواقعية، والفلسفة البرجماتية المبنية على الفکر البشري القاصر، کما سأتناول الفکر الأخلاقي في ضوء التصور الإسلامي المبنية على  منهج الکتاب والسنة.
والله الموفق

 

المملکة العربیة السعودیة

وزارة التعلیم

جامعة جدة

کلیة التربیة

قسم أصول التربیة                                

 

 

الأخلاق فی الفکر الفلسفی والتصور الإسلامی لها

 

 

 

                               إعداد الباحث

                        محمد بن خمیس سوقان العُمری

 

                          مسار الأصول الإسلامیة للتربیة

 

 

 

1440هـ / 2018م

 

 

 

 

 

 

 

مقدمة :

الحمد لله رب العالمین والصلاة والسلام على نبینا محمد صلى الله علیه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعین                                         وبعد:

فإن شخصیة المجتمع وثقافته تتحدد من قیمه الأخلاقیة ، فالأخلاق تهذّب المجتمع وتقیم سلوکه وتدفعه إلى فعل کل خلق محمود ونبذ کل فعل مذموم، یقول الله تعالى ممتدحاً نبیه صلى الله علیه وسلم {وإنک لعلى خلق عظیم} (القلم : 4) وتقول عائشة رضی الله عنها واصفة خلق النبی صلى الله علیه وسلم [کان خلقه صلى الله علیه وسلم القرآن]   (صحیح مسلم ،1991 ، 512  ) .

لقد کانت الأخلاق الإسلامیة أحد عوامل نشر هذا الدین فی العالم وخصوصاً ما کان یتعامل به التجار فی البلدان التی یقصدونها، ولکن مع اهتزاز الموازین الأخلاقیة وإهمال واندثار بعض القیم والمفاهیم التی هی من دین الإسلام ساء تعامل البشر وکان انهیار الأخلاق سبباً فی انهیار الأمم على مر العصور.

فعلم الأخلاق هو السلوک الإنسانی من حیث کونه خیراً أو شراً فهو یقوّم السلوک وفق معیار أخلاقی معین، فیهتم بالقیم لا بالوقائع  و ما یجب أن یکون لا ما هو کائن . موضوعه أحکام تقویمیة یقاس بها السلوک ولیس احکاماً تقریریة، ولهذا یندرج علم الأخلاق فی الفلسفة تحت مبحث الشئ الجمیل الذی  یدرس الخیر فی صوره المتعددة من القیم . لذلک سأتناول فی هذا البحث الفکر الأخلاقی عند علماء الفلسفة فی الفلسفة المثالیة، والفلسفة الواقعیة، والفلسفة البرجماتیة المبنیة على الفکر البشری القاصر، کما سأتناول الفکر الأخلاقی فی ضوء التصور الإسلامی المبنیة على  منهج الکتاب والسنة.

والله الموفق

مشکلة الدراسة :

     إن خیر ما یتحلى به الأفراد فی المجتمع الأخلاق الفاضلة التی بها یتم صلاح الفرد وبالتالی صلاح المجتمع فالأخلاق تقیم سلوک الفرد وتصرفاته فی اطار تحفظ فیه الحقوق وتؤدى الواجبات وخیر ما یسعى إلیه المرء التأسی برسول الله صلى الله علیه وسلم . فالأخلاق تعکس قیمة المرء وذلک بالمعانی الأخلاقیة التی یمارسها من حیث کونها محمودة أو مذمومة ومدى ثباتها ورسوخها فی النفس البشریة . وحیث إن الأخلاق مما لا غنى للإنسان والمجتمع عنها نظرا لأهمیتها ولأثرها فی سلوک الإنسان وما قد یصدر عنها من تصرفات , ولتوجه العصر نحو الحضارة المادیة العلمانیة الغربیة الجوفاء وما تحمله من توجه وسلوک أخلاقی ردئ یهوی بالعقل البشری الى الحیاة البهیمیة المنغمسة فی الملذات والمتجردة من کل القیم والمثل العلیا التی تسمو بالإنسان الى درجة الکرامة کما قال تعالى (وَلَقَدْ کَرَّمْنَا بَنِی آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِی الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّیِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ کَثِیرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِیلًا (70) ( سورة الإسراء )

  لذلک کان هذا البحث لإبراز أهمیة الأخلاق فی الشریعة الإسلامیة ویتمثل ذلک فی السؤال الرئیس الآتی :

ما الفکر الفلسفی للأخلاق فی المدارس الفلسفیة ونظرة التربیة الاسلامیة لها ؟

ویتفرع عن السؤال الرئیس الأسئلة الآتیة :

- ما الفکر الفلسفی للأخلاق فی المدرسة المثالیة ؟

- ما الفکر الفلسفی للأخلاق فی المدرسة الواقعیة ؟

- ما الفکر الفلسفی للأخلاق فی المدرسة البرجماتیة ؟

- ما التصور الإسلامی للأخلاق ؟

أهداف البحث :

یهدف البحث الى :

- بیان الفکر الفلسفی للأخلاق فی الفلسفة المثالیة .

- بیان الفکر الفلسفی للأخلاق فی الفلسفة  الواقعیة .

- بیان الفکر الفلسفی للأخلاق فی الفلسفة البرجماتیة .

- توضیح التصور الاسلامی للأخلاق .

أهمیة البحث :

- الأهمیة النظریة :

تتضح أهمیة البحث من أهمیة الموضوع الذی یتناوله البحث وهو الأخلاق , فالمجتمعات الاسلامیة تعانی من غزو ثقافی وفکری یهدف إلى طمس الهویة الدینیة والقیم الأخلاقیة الذی یتجلى أثره فی انحدار الأخلاق وانحسار القیم مما نتج عنه ضلالات أخلاقیة وسلوکیة . من هنا کان لابد من ابراز قیمة الأخلاق فی التربیة الإسلامیة فی ضوء الکتاب والسنة النبویة المطهرة وتمیزها بالکمال عن اجتهادات

العقل البشری القاصر فی کافة الفلسفات الغربیة .

- الأهمیة التطبیقیة :

- تکمن أهمیة البحث فی أهمیة موضوع الأخلاق .

 - ابراز أهمیة الأخلاق فی الشریعة الاسلامیة .

 - نظرة التصور الإسلامی للأخلاق .

- معرفة نظرة الفلسفات الغربیة للأخلاق .

منهج البحث :

یستخدم الباحث المنهج التاریخی وهو " ما یمکن به إجابة سؤال عن الماضی بواسطة مجهود علمی کبیر یبذله الباحث متمثلا فی محاولته لاستنتاج العلاقة بین الأحداث والربط بینها مستندا فی ذلک الى ما یستقیه من أدلة علمیة صحیحة تبرهن استنتاجه . ( العساف، 2006، 281 ).

حدود البحث :

الحدود الموضوعیة : الأخلاق فی الفکر الفلسفی ( الفلسفة المثالیة , الفلسفة الواقعیة , الفلسفة البرجماتیة ) والتصور الإسلامی لها .

مصطلحات الدراسة :

تعریف الأخلاق لغة :

" قال أبو بکر بن الأنباری : الخلق فی کلام العرب على وجهین : أحدهما الإنشاء على مثال أبدعه , والآخر التقدیر . ورجل  خلیق بین الخلق : تام الخلق معتدل , والخُلْق , والخُلُق : السجیة , یقال خالِصِ المؤمن وخالِقِ الفاجر, الخُلُقُ , بضم اللام وسکونها : وهو الدین والطبع والسجیة , وحقیقته أنه لصورة الإنسان الباطنة وهی نفسه وأوصافها ومعانیها المختصة بها بمنزلة الخَلْق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانیها ولهما أوصاف حسنة وقبیحة , والثواب والعقاب یتعلقان بأوصاف الصورة الباطنة أکثر مما یتعلقان بأوصاف الصورة الظاهرة ." ( ابن منظور ،  1993  ، 86/87 )

ویعرّف ( ابن  فارس ،1979 ، 213 ) الخلق  بأنه : الخاء واللام والقاف أصلان : أحدهما تقدیر الشیء , والآخر ملاسة الشیء .

الأخلاق فی الاصطلاح:

 هی مجموعة من المعانی والصفات المستقرة فی النفس , وعلى ضوئها یحسن الفعل فی نظر الانسان أو یقبح . ( الطلحی ، 2002 ،12)

قال آخر  : "خُلُق بضمتین: فهو السجیَّة المتمکِّنة فی النَّفْس، باعثة على عمل یُناسِبها من خیر أو شر، وقد فسِّر بالقوى النفسیة، وهو تفسیر قاصر، فیشمل طبائع الخیر وطبائع الشر؛ ولذلک لا یعرف أحد النوعین من اللفظ إلا بقید یُضَم إلیه فیقال: خُلق حسن، ویقال فی ضده: سوء الخُلُق، أو خُلُق ذمیم، فإذا أُطلِق عن التقیید انصرف إلى الخُلُق الحسن"، ثم قال: "والخُلُق فی اصطلاح الحکماء: مَلَکة؛ أی: کیفیة راسخة فی النفس؛ أی: متمکِّنة فی الفِکْر، تَصدُر بها عن النفس أفعالُ صاحبها بدون تأمُّل. ( عاشور،  1984، 171 )

قال أحد الشعراء :

علیک بِالْقَصْدِ فیما أنتَ فاعلُه    **  إن التخلُّق یأتی دونه الخُلُق 

 التعریف الاجرائی :

الأخلاق هی : سلوک الإنسان المتمثل فی الأقوال والأفعال وما ینتج عن ذلک من تصرفات ایجابیة تتسم بفعل الخیر وکل ماهو محمود أو سلبیة تتسم بفعل الشر وکل ماهو مذموم .

 

 

 

الفکر لغة : الفاء والکاف والراء تردّد القلب فی الشئ , یقال تفکّر إذا ردّد قلبه معتبرا . ورجلٌ فکِّیر : کثیر الفِکر ( ابن فارس ،1979 ، 446 )

الفکر اصطلاحا :

إعمال العقل فی مشکلة من المشکلات من أجل الإطاحة بها وفهمها , وطرح الحلول لها . ( الزهرانی ، 2013  ، 35 ) .

التعریف الاجرائی :

الفکر هو : قوة إعمال الذهن للوصول الى النتائج حسب المعلومات المسبقة واستخدامها فی التعامل مع الواقع .

مباحث الدراسة :

المبحث الأول :ویتناول :  نشأة الفلسفة ـ مفهوم الفلسفة

المبحث الثانی : ویتناول : الفکر الأخلاقی فی الفلسفة المثالیة ـ الفکر الأخلاقی فی الفلسفة الواقعیة ـ الفکر الأخلاقی فی الفلسفة البرجماتیة

المبحث الثالث :  مفهوم التصور الإسلامیـ الفکر الأخلاقی فی ضوء التصور الإسلامی

المبحث الأول :

ــ نشأة الفلسفة :

   استخدم الانسان تفکیره منذ ظهوره على الأرض , وهذا التفکیر أخذ مراحل متعددة وجوانب مختلفة اتسمت بالإیجابیة احیانا والسلبیة احیانا أخرى , فبعض أوجه التفکیر  کانت تتسم بالخیال  , والبعض الآخر أرجع حدوث الظواهر الکونیة إلى أسباب مادیة ملموسة  أو محسوسة , وهناک من یرى أن وجود قوى وأفکار تفسر نظام الکون .

   وفی ظل هذه الازدواجیة والاتجاهات المختلفة فی التفکیر وتزاید حالات الشک والاضطرابات الفکریة  ظهر السوفسطائیون فی بلاد الإغریق فی القرن الخامس ق.م  الذین اهتموا بالإنسان وجعلوه محور تفکیرهم , فاستغلوا حالات الشک المتزایدة  وروّجوا لمذهب اللذة والمتعة والتحرر من المعتقدات الدینیة ونبذ التقالید والعرف والأخلاق والقوانین , فکان هدفهم الشباب ووسیلتهم فی ذلک براعتهم فی اللغة والتلاعب بالألفاظ , وجعل الإنسان مقیاس کل شیء , فعمت الفوضى وساد الفساد وانتشرت الرذیلة تحت ذریعة الحریة .

فی مقابل ذلک النهج السوفسطائی ظهرت طائفة تدعو الناس إلى التمسک  بالعقائد الدینیة والعودة إلى التقالید , والحذر من غضب الآلهة والمناداة بسرعة التکفیر عن الذنوب ، وذلک بالزهد والتقشف والتفرغ للعبادة  , مطلقین على انفسهم اسم الحکماء

وسط هذه التقلبات والانحدار فی المجتمع الیونانی فی أثناء ظهر سقراط  المولود فی أثینا عام 470 ق.م . فسّخر نفسه  وحمل على عاتقه آراء کل من السوفسطائیین والحکماء مستخدما أسلوبه فی الحوار حتى یبین جهل خصومه . فأبطل مزاعم السوفسطائیین , وانتقد الحکماء لتطرفهم وتزمتهم حیث قادهم ذلک الى الکسل ونشر الخوف والذعر , وأنه لا یمکن أن یکونوا  حکماء لأن الحکمة من صفات الآلهة , ولو کان هناک حکماء لکان هو ( أی سقراط ) أحکم الناس , ومن ذلک مقولته الشهیرة " أننا لسنا حکماء ولکننا محبون للحکمة " فظهرت کلمة فلسفة من  العبارة الأغریقیة ( Philo ) أی محب و ( Sophia ) أی حکمة . فکانت الفلسفة بالعربیة تعنی محبة الحکمة . ومن هنا یتضح أن الفلسفة إغریقیة الأصل . ویعود تأسیسها الحقیقی إلى سقراط حیث قدم منهجا فلسفیا فی محاوراته نقلها عنه تلمیذه أفلاطون .

مفهوم الفلسفة :

   تعد مناقشة الفکرة التربویة واثبات مصداقیتها وتأکید حقیقتها عن طریق الشواهد أحد مهام الفلسفة  . ولذلک تعرف الفلسفة بأنها " البحث عن الحقیقة لیس من جانب واحد بل من جمیع الجوانب دون إغفال أی جانب من مجالات الفکرة المراد بحثها , ویطلق على الجوانب التی تبحثها الفلسفة  عناصر الفلسفة أو مجالات الفلسفة  "

( علی ،2004 ، 59 ) 

 ویعرّف البعض الفلسفة على أنها : " محاولة التعرف على الوجود المطلق , ومنهم من ینظر الى الفلسفة على أنها : البحث عن الجوهر واللامتغیر , ومنهم من عرفها بأنها : دراسة المبادئ العامة والعلل البعیدة والغایات العظمى للکون للحصول على تفسیر کلی شامل للوجود , ومنهم من قصر الفلسفة على مجرد البحث فی ماهیة القیم واشتقاقها ومصادرها وطبیعتها وکیفیة تبریرها وأثرها فی تنظیم المجتمع  " ( السید ،2013 ،263 )

    تعرف الفلسفة فی المعجم الفلسفی المختصر بأنها " شکل من أشکال الوعی الاجتماعی یمثل نسقا من المفهومات العامة عن العالم , ومکانة الانسان فیه , والأساس النظری لرؤیة العالم "( المعجم الفلسفی المختصر ،1986 ، 338 )

وأورد الفلاسفة عدة تعریفات للفلسفة کما یلی :

- تعریف أفلاطون :

فی نظر أفلاطون تتمیز الفلسفة بعدة خصائص ( مرسی ، 1984 ،19  ) من أهمها :

1-    أن الفلسفة تستخدم طریقة خاصة بها تسمى ( الدیالکتیک ) , أی الاستطراد الجدلی فی نقد الأفکار المعروضة , وبالتالی فإن العلوم  ولو فی أقصى صورها المتطورة کالریاضیات مثلا تخضع للنقد الفلسفی .

2-    یعتقد ( أفلاطون ) أن الفیلسوف له اتصال مباشر بالواقع الحقیقی فی تمایزه عن الأشیاء المتغیرة باستمرار , ولهذا السبب یستطیع الفیلسوف أن یقوم بالنقد النهائی للأفکار المطروحة , وهذا یعنی أن الفیلسوف یسعى وراء التوصل الى صدق الطبیعة الحقیقیة للواقع أو الوجود .

3-    أن فهم الطبیعة الحقیقیة للواقع یتطلب منا أن نعرف الهدف الذی وجدت الأشیاء من أجله , , فلکی نفهم الطبیعة الحقیقیة للإنسان علینا أن نعرف النموذج الأمثل لطبیعة الإنسان , والهدف الذی وجدت الطبیعة الإنسانیة من أجله .

4-    أن الفیلسوف بناء على معرفته بالمثل العلیا یعرف کیف یجب أن تحیا الطبیعة الانسانیة حیاتها .

تعریف ایمانویل کانت ( Kant Defintion  ) :

الفلسفة تشریع العقل البشری , ووظیفتها تحدید المفهومات القبلیة التی تهیمن على المعرفة والعمل معا , وتظهر تسلسل هذه المفهومات وتؤلف فیما بینها منظومة متماسکة . والفلسفة اما أن تکون نظریة تحدد موضوعا , أی تعین صفات الطبیعة وقوانینها , واما أن تکون عملیة تحقق الموضوع , أی انتقاله من حیز الفکر الى حیز العمل , الأولى علم الطبیعة , والثانیة علم الحریة , ولکل فلسفة نظریة أو عملیة وجهان : وجه محض , وآخر اختیاری , فمن الوجه الأول تستند الفلسفة الى مبادئ قبلیة سابقة للتجربة , ومن الوجه الآخر تکون الفلسفة اختباریة عندما تستخلص المبادئ من التجربة ( إبراهیم ،1972 ،16 )

تعریف برتراند رسل ( Rassl Defintion  ) :

  الفلسفة عند ( رسل ) توسط بین اللاهوت والعلم , فهی تشبه اللاهوت لأن قوامها التأمل فی موضوعات لم تبلغ درجة الیقین , وهی تشبه العلم لأنها تخاطب العقل البشری أکثر من استنادها إلى إرغامه , سواء أکان هذا الإرغام صادرا عن قوة التقالید أم عن قوة الوحی .( العوا ، 1993 ،354 ) یقول ( رسل ) : " إن المعرفة الفلسفیة لا تختلف اختلافا جوهریا عن المعرفة العلمیة , فلیس هناک مصدر خارجی للحکمة یفتح أبوابه للفلسفة ویغلقها فی وجه العلم , وکل ما یمیز الفلسفة من العلم هو أنها أکثر نقدا وتعمیما " ( مهران ، 1986 ،392)

تعریف برنشفیک ( Brenshific Defintion  ) :

" أن الفلسفة وعی للقیم الفلسفیة عن طریق التاریخ والحکم علیه " , وبالتالی هی حوار بین الفیلسوف وبین مذاهب الفکر فی مختلف صوره وأشکاله , وهذا الحوار یستهدف التنقیب عن قیم العقل الصحیحة التی هی قیم الحریة . وعلى هذا فان الفلسفة تتطلع الى " التطور المبدع " وتعمق هذا التطور , وهی فی الوقت نفسه " نقد العقل التاریخی " ( العوا ، 1933 ،366 ) .

تعریف جون دیوی ( Dewey . J .Defintion  ) :

   الفلسفة فی نظر ( دیوی Dewey ) لیست طریقا خاصا یؤدی إلى شیء غریب عن العقائد العادیة والمعرفة والسلوک واللذة والألم , وإنما هی نقد واستعراض فاحص لهذه الأشیاء البادیة الدارجة المألوفة بالذات , وهذا النقد لا یختلف عن غیره من الانتقادات إلا فی کونه یحاول أن یذهب الى أبعد منها , وأن یتابع الفحص منهجیا . ( وین ، 1964 ، 162  )

تعریف هاردی ( Hardy Defintion  ) :

   یعتبر ( هاردی Hardy  ) من الفلاسفة المعاصرین ، وقد عرّف الفلسفة بأنها لیست مجموعة من المبادئ أو التعالیم وانما هی نشاط , حیث تقوم الفلسفة بتفسیر المسائل وتوضیحها .

تعریف فیلیب فینکس ( Phinex . Ph . Defintion ) :

   عرّف ( فینکس Phinex ) الفلسفة بأنها : طریقة من طرائق النظر إلى المعرفة التی لدینا فعلا , وهی تتضمن تنظیم ما هو موجود بالفعل فی میدان المعرفة والخبرة وتفسیره وتوضیحه ونقده , وتستعمل بوصفها مادة لها ما تتضمنه العلوم والفنون المختلفة والدین والأدب من معارف , کما تستعمل المفهومات العامة والعادیة . ( فینکس ،1965 ، 24 ) .

المبحث الثانی :

  • الفکر الأخلاقی فی الفلسفة المثالیة
  • الفکر الأخلاقی فی الفلسفة الواقعیة
  • الفکر الأخلاقی فی الفلسفة البرجماتی
  • الفکر الأخلاقی فی الفلسفة البرجماتیة

 

 

الفلسفة المثالیة :

   من أقدم الفلسفات  وتعود جذورها الأولى الى مؤسسها ( أفلاطون ) فی أثینا .  وتعّرف المثالیة بأنها " النزعة الفلسفیة التی تقوم على ردّ وجود الى الفکر , وهی بذلک تعارض الواقعیة التی تسلّم بوجود  مستقل للفکر "  ( لا لاند ، 1996، 585 )

" ویرى المثالیون وعلى رأسهم أفلاطون أن الوجود ینقسم الى قسمین : القسم الأول هو عالم المحسوس الذی یعتمد على الحواس وهو عالم الظاهر أو عالم الوهم والخیال وهو عالم متغیر غیر ثابت . وعالم المعقول الذی یعتمد على العقل وهو عالم الباطن عالم الحقیقة أو الوجود الحقیقی  وهو عالم أبدی ساکن لا یتغیر . هو عالم الحقیقة أو المثل أو الأفکار ( Ideas ) . ان العالم أو الوجود عند المثالیین له ظاهر وباطن لکنه یعتمد فی جوهره وحقیقته على الباطن أو على العقل والفکر لهذا فان طبیعة المعرفة عندهم عقلیة تستند الى العقل " ( مرسی ،2007، 203 )  

نظرة الفلسفة المثالیة للأخلاق:

   یوازن أفلاطون دائماً بین الفرد والمجتمع فللفرد ثلاث طوائف سیکولوجیة:

1-      العقل الذی یقوم على التفکیر ویسقر فی الرأس.

2-      العواطف الکریمة وهی تنبع من القلب.

3-      الشهوة ومصدرها البطن.

  کما یقسم المجتمع إلى ثلاث طبقات اجتماعیة هی:

1-      الطبقة الذهبیة، وهی طبقة الحکام.

2-      الطبقة الفضیة وهی طبقة الجند والحراب.

3-      الطبقة النحاسیة وهی طبقة الزراع والصناع والتجار ....

   یرى افلاطون أن قوى النفس عنده  القوة الناطقة (العقل) والشهوانیة والغضبیة. فهذه القوى تدبرها ثلاث فضائل هی: الحکمة والشجاعة والعدالة وتعنی عنده خضوع الشهویة  للغضبیة وإذعان الغضبیة للعقل. فدعا الى فکرة الانسجام لیجمع بین أجزاء النفس المرکبة من ملکة الشهوة والى العقل الذی هو بمنزلة الحاکم . والى العدالة التی تهم الفرد مثلما تهم السیاسة حیث أدرجها افلاطون ضمن الفضائل , فالمبدأ الذی طبقه على الدولة قام بتطبیقه على الفرد وهو مبدأ " أداء کل لوظیفته الطبیعیة فالفرد – کالدولة :- لیس وحدة متجانسة وانما هو مرکب معقد ینطوی على أجزاء مثلما تنطوی الدولة على طبقات . وهو یحرض على الفصل بین أجزاء النفس مثلما یحرص على الفصل بین طبقات الدولة " ( زکریا ، 2004 ، 121).

   فهذا الانسجام کان بین قوى متعارضة فالقوة العاقلة تستعین بالقوة الغضبیة لإخضاع قوة الشهوة ورغباتها کالحکام یستعینون بالجند لضبط الشعب . والمقصود اخضاع القوة الشهویة للقوة العاقلة . کما أن السعادة تقترن بالعدالة، والسعادة هی الخیر الأقصى، والعدالة عنده هی عدم المساواة بین الناس فینبغی لمن ولد لیکون حذّاءً أن یقتصر على صناعة الأحذیة ...

   " ویؤکد کل من افلاطون وهیجل – من المثالیین – أن الحیاة المثالیة لا تأتی إلا فی ظل مجتمع منظم تنظیما عالمیا . فیصف أفلاطون فی الجمهوریة مجتمعا مثالیا یکون لکل فرد فیه وظیفته الخاصة . ویحکم هذا المجتمع صفوة من الملوک الفلاسفة . ویعلن هیجل إن أی شئ قائم یکون حقیقیا بقدر مشارکته فی کل أکبر من نفسه , فالفرد لا یحقق ذاته الا بقدر کونه عضوا فعالا فی المجتمع فهو یقول إن الإنسان مدین للمجتمع بکامل ولائه , لأنه یستمد منه طبیعته الخلقیة وحریته " ( مرسی ، 2007، 204) .

   ویقترح "کانط " فلسفة خلقیة أقل جماعیة ، حاضا الناس على أن یعامل کل واحد منهم الآخر کغایة ولیس کوسیلة . فقاعدته غیر المشروطة أو قانونه الخلقی یقرر أننا ینبغی أن نعمل دائما وکأن تصرفاتنا تصبح قانونا شاملا للطبیعة مُلزما لجمیع الناس فی الظروف المماثلة " ( مرسی  ، 2007، 204)

    وما دعا الیه افلاطون ( الزهد ) واحتقار العالم المادی وتقدیس المعرفة . ومما " ینبغی أن نتنبه إلیه أن هذا الزهد لم یکن هو العنصر الأخلاقی الوحید فی تفکیر افلاطون , بل کان یوازیه عنصر آخر یکاد یکون من الصعب تصوره وهو یقف مع العنصر الزاهد جنب الى جنب . ففی الأخلاق الأفلاطونیة اتجاه واضح إلى عدم اغفال المتع الدنیویة " ( زکریا ، 2004 ، 123) .

   کانت دعوة أفلاطون إلى الزهد وبإن الحیاة رحلة عابرة الأفضل فیها کلما کانت قصیرة تعارضا واضح مع دعوته الى تنظیم احتفالات تضم الفتیان والفتیات , ومکافأة المحارب بفرص الاتصال الجنسی لیکون ذلک تحفیزا له . ونظرته الى أن الجنسیة المثلیة مشروعة بل یستحسنها ویشجع علیها .

   یتفق المثالیون على أن القیم مطلقة وثابته وترتکز على محور الخیر والجمال الذی لیس من صنع الإنسان ، بل هو جزء لا یتجزء من ترکیبة الکون لذلک على المدرسة أن تقوم مبادئها على هذه القیم الراسخة . فعلى النشء أن یتعلم العیش بقیم ثابته تنسجم انسجام الجزء مع الکل فهناک ممارسات تلیق به کعضو فی الکل بینما هناک تصرفات لا تلیق بهذه العلاقة .

   لقد کان  أفلاطون " حامل لواء النظرة المطلقة الى القیم فی العالم القدیم , وکان أبلغ تعبیر عن اتجاهه الى صبغ القیم بالصبغة المطلقة , هو توحیده بین الخیر – أی الرمز الأعلى للقیم – وبین الألوهیة . وجعله ایاه مبدأ أسمى للکون . ولقد کان افلاطون فی هذا الصدد أکثر اتساقا مع نفسه من کثیر من المذاهب اللاهوتیة التالیة . وذلک حین أکد أن الصبغة الوحیدة للألوهیة هی الخیر , وأن الألوهیة لا یمکن أن تکون علة للشر " ( زکریا ، 2004، 125 )

   جعل افلاطون الخیر قمة مذهبه الأخلاقی والمیتافیزیقی وذلک بوصفه الخیر مبدأ کونیا اضافة إلى کونه قیمة . فهو أعلى موضوعات العلم .ودعا إلى البحث عن الأسباب الکامنة التی تدفع إلى القیام بالأفعال ف"أفلاطون أول الباحثین الأخلاقیین الذین حاولوا أن یتجاوزوا نطاق الغایات المباشرة کاللذة والشرف والتکریم والمال , لیصلوا إلى المبدأ الکامن من ورائها وهو مبدأ عقلی یعلو على کل الأمثلة الجزئیة للخیر . وإذا کانت کل الغایات المباشرة تستمد قیمتها من هذا المبدأ الواحد ، فإنه لا یستمد قیمته إلا منه ذاته . وبعبارة أخرى , فإن  افلاطون  أول من أدرک أن فلسفة الأخلاق فی صورتها النهائیة ، ینبغی أن تتجاوز ذاتها لکی تتخذ لنفسها أساسا من مثل أعلى نهائی ، تستمد منه الغایات الأخلاقیة قیمتها ، بل تستمد منه المفاهیم الأخلاقیة معناها " ( زکریا ،2004 ، 127) .

   کان مبدأ الخیر الذی جعله افلاطون قمة مذهبه الأخلاقی یتضمن دفاعا عن الحریة الإنسانیة ، ونافیا لتدخل الإرادة الکونیة فی حیاة البشر ، فیقول " أما الفضیلة فلا تعرف سیدا : فالمرء یحصل منها المزید أو الأقل على قدر ما یکرمها أو یزدریها . واللوم انما یقع على من یختار أما السماء فلا لوم علیها " ( زکریا , 2004 , 128 ) .

وخلاصة القول من وجهة نظر الباحث :

یتضح ضلالات هذا الفکر واستعباد الناس ووضعهم فی طبقیات لیس لهم بعد ذلک الحریة فی الاختیار وبناء العنصریة وخلو هذا الفکر من المثل والقیم العلیا التی تحفظ للناس کراماتهم وتقیم للمرأة حقوقها وللطفل إنسانیته کما حجر هذا الفکر على العقل وحرمه التفکیر أو إبداء الرأی أو المشارکة فی بناء المعرفة بحجة أنه فی طبقة لا یرقى إلى طبقة المفکرین، ودعا إلى قتل العجزة المرضى والأطفال وتجرید المرأة من أنوثتها ومساواتها للرجال بل والتعری للقیام بالأنشطة الریاضیة کما قضى على نظام الأسرة ودعا إلى شیوعیة النساء والأطفال والمال ، لقد هدم هذا الفکر الأخلاق وقضى على الفطرة الإلهیة التی تسمو بالإنسان وتدفعه عن الانزلاق والوقوع فی الرذائل.

الفلسفة الواقعیة :

ویقصد بها " الأحداث والأشیاء الموضوعیة بما فیها من علاقات وروابط وعملیات , کما تعنی الأقوال الیقینیة التی ثبت صحتها کقولنا النحاس ناقل للکهرباء , فضلا أن الواقع هو القسم الأکثر یقینیة فی صرح المعرفة العلمیة " ( المعجم الفلسفی المختصر , 1986 , 527 ) .

ویُعتبر الفیلسوف الیونانی " أرسطو" أبا للواقعیة ، حیث إنه صحح الفکر الیونانی من التفکیر فی عالم الخیال إلى التفکیر فی العالم الذی نعیش فیه .  ومما أکد علیه الواقعیون هو وجود عالم للقیم والأخلاق  ویمکن الوصول الیه عن طریق الاستدلال   فعلى المدرس أن یغرس فی أذهان التلامیذ الأخلاق والمبادئ الدینیة .

الفکر الأخلاقی عند أرسطو:

أرسطو هو أول من مذهب الأخلاق فی الغرب، وأهم أثر ترکه أرسطو هو کتابه: "الأخلاق إلى نیقوماخوس". حصر أرسطو الغایة من الأخلاق فی أمرین هما:

( تحدید معنى الخیر وضبط السلوک الموصل الیه ) فجاء بنظریته الجدیدة التی جمع فیها جمیع الفضائل وهی أوساط الأمور فالفضیلة هی المتوسط بینها دون إفراط أو تفریط   .   ویرى أرسطو أن الخیر هو السعادة وهی الغایة التی یسعى إلیها الناس، فیقول: "وأننا نریدها دائماً لذاتها، لا لغایة أخرى وراءها، حقاً أننا نرغب فی احترام الآخرین، وفی الملاذ، وفی الذکاء، وفی کل ما نسمیه فضیلة أو جدارة .. إی أننا نرغب فیه ونبحث عنه من أجل السعادة وذلک لما نتخیله فیه من طریق موصل إلیها    (الشرقاوی، 1990, 97 )

ویختلف الناس فی فهم السعادة حیث یقسمهم أرسطو إلى مراتب ثلاث من حیث السلوک الأخلاقی، فالطبائع العامیة الغلیظة ترى السعادة فی اللذة، إذ یختار أکثر الناس بمحض ذوقهم عیشة البهائم، وضد هؤلاء أصحاب العقول الممتازة النشیطة وغایتهم تحقیق السعادة فی المجد _أو الکرامة السیاسیة_ تبقى المرتبة الثالثة من مراتب السلوک الاخلاقی وهی مرتبة حیاة الحکمة والتأمل أو العیشة التأملیة والعقلیة وهی السعادة الحقة عند أرسطو.

یتفق الواقعیون على أن القیم دائمة وذلک لأن الطبیعة الإنسانیة وبیئة الإنسان الطبیعیة دائمة وبالتالی فإن الأهداف الحقیقیة للتربیة لا تتغیر وأن ما یتعلمه النشئ یجب أن یکون منسجم مع القیم الثابته وبمعاییر خلقیة مُطلقة مبنیة على فعل ماهو صحیح للإنسان لا تخضع لإرادة معینة أو انتماء لجنس معین  وأن هناک قانونا ونظاما خلقیا یشمل جمیع البشر ومتاحا للعقول ، وأن هذا القانون ملزما للبشر حیث أنهم کائنات عاقلة وبإمکانهم أن یمیزوا هذا القانون لکونهم یملکون قوة العقل .

" وتدعو الواقعیة إلى أن الصواب والخطأ انما یأتیان عن فهم الإنسان للطبیعة ولیس من المبادئ الدینیة . فالأخلاق یجب أن تنبنی على ما أظهر البحث العلمی أنه مفید للإنسان باعتباره أرقى أنواع المخلوقات . فالمرض شر والصحة خیر . ویجب أن یؤید الخیر بأن نتخذ اجراءات لتحسین تکویننا الجبلی أو الخلقی ، وأن نتغلب على الشر بأن نفهم ونحسن البیئة التی نعیش فیها ، إن کثیر من الواقعیین العلمیین ینحون منحى دینیا ، لکنهم یمیلون إلى فهم الدین والعلم باعتبارهما وجهین مختلفین لنفس الحقیقة ، فالدین والعلم  هذا شأنهما لا یتصرعان بالضرورة أحدهما مع الآخر , إنهما یؤدیان إلى فهم أکبر للسر النهائی الالهی للکون " ( مرسی , 2007، 214)

یؤکد"أرسطو" على أن الأفعال یجب أن تؤدى بشکل وسط دون إفراط أو تفریط  فالکیفیة الأخلاقیة التی تصیر الانسان صالحا هی الفضیلة الإنسانیة , فالکمال الأخلاقی یحدده الوسط الأخلاقی المتمثل فی کمال الفضیلة . ، کما أن اللذة والألم هی الموجهة لسلوک الإنسان لفعل الخیر إذا أحسن استعمالها أو إلى فعل الشر إذا أساء استعمالها .  والإنسان یکون فاضلا حین یأتی أعمال الفضیلة ، بعد هذا یلزم ثلاثة شروط ، هی العلم والإرادة والثبات , لإن الإنسان یحصل على الفضیلة بالممارسة والتکرار , الإنسان الذی یرید أن یکون عادلا یمارس العدل , والذی یرید أن یکون عفیفا یمارس الاعتدال " ( التکریتی , 2011, 60 ) .

وخلاصة القول من وجهة نظر الباحث  :

أن الفکر الأخلاقی عند ارسطو قد سمى عن الفکر الأخلاقی عند أفلاطون وخالف التلمیذ استاذه فی هذا الفکر، ولکنها لم تزل متعلقة بالفکر الإنسانی الضعیف الخاضع للأهواء ولم ترتبط بتشریع سماوی یصلح الفرد والمجتمع فاتفق أرسطو مع أستاذه فی محاربة اللذة والمناداة بالعنصریة والتسلیم بالرق. إلا أن أرسطو دعا إلى الفضائل التی یضبطها العقل کما دعا إلى التوسط فی ذلک دون إفراط أو تفریط وهذا مما یؤخذ علیه فالأخلاق المحمودة العامة بین البشر لا وسط لها. کما أن النظریة الأخلاقیة لأرسطو جعلها للطبقة العلیا المتحضرین ولکنها لا تنطبق على البرابرة والارقاء والعبید.


 

الفلسفة البرجماتیة :

 

   تعرّف البرجماتیة بأنها "  فلسفة عملیة تدعو  إلى إجراء العملیات , وصنع الأشیاء الأنسب , لتحقیق أغراض نرغب بتحقیقها فی حیاتنا العملیة " ( الجیوشی , 1999 , 112 ).

  وقد أطلق علیها عدة أسماء فی اللغة العربیة  فمنها : الذرائعیة  ویقصد بها " الفکرة مجرد ذریعة لتحقیق غایة محدودة . والوسائلیة  : أی أن الأفکار وسائل لتحقیق غایات . والأداتیة : أی أن التصورات الذهنیة مجرد أدوات تستطیع أن تساعد فی تشکیل وقائع المستقبل بطریقة محدودة " ( علی , 1995 , 62 ).

   کما أطلق علیها اسم النفعیة وهی "  الأفکار والنظریات والأعمال التی یقوم بها الفرد تستمد قیمتها من مقدار ما تحقق له ولمجتمعه من نفع , وما ینتج عنها من لذة ومنفعة " ( زیادة وآخرون , 2003 , 226 ) .

   تعد الفلسفة البرجماتیة فلسفة أمریکیة معاصرة وإن کانت أصولها الفکریة تعود إلى الفیلسوف الیونانی هیراقلیطس ( 535-475 ق . م ) . ویعتبر الفیلسوف الأمریکی ( شارل بیرس Bursc . Ch  1839-1914 ) من وضع بذور البرجماتیة  ثم ( ولیم جیمس  James . W  1842- 1910 ) الذی ساهم فی توطید أرکان الفلسفة البراجماتیة  . کما یعد الفیلسوف ( جون دیوی   Dewey . j 1859- 1952 ) من أبرز الفلاسفة البراجماتیین  . حیث أنه أعطى الفکر البراجماتی منهجیته  . وأوصل الأفکار الى التطبیق العملی فی التربیة .

 الأخلاق فی الفلسفة البرجماتیة :

جاءت الثورة الأخلاقیة  فی الفکر الأمریکی مع التغیرات التی جاء بها العلم، فکانت ثورة على الأخلاق والعادات اتسمت بتنصیب السعادة واللذة أساس لمعیار الأخلاق. فالقیم عند البرجماتیین نسبیة تزداد قوة أو ضعفا فلا یوجد قاعدة سلوک ثابتة ومُلزمة لکل البشر بل إن القواعد الخلقیة والجمالیة تتعرض للتغییر عبر التغیر الثقافی لذلک ینبغی للنشء أن یتعلم کیف یتخذ قرارات خلقیة تنتج له أفضل النتائج بالرجوع الى ذکاءه دون الاعتماد على مبادئ مقررة .

 تتمثل الاخلاق عند "ولیم جیمس" فی عناصر ثلاثة هی: الإلزام الخلقی، والتفاؤل الخلقی، وحریة الإرادة الإنسانیة، فهذه العناصر الثلاثة تکّون رأیه فی الأخلاق. ثم یتحدث جیمس عن العالم هل هو عالم أخلاقی أم أنه غیر أخلاقی وذلک بتقسیمه الى مذهبین مادی یرى الأحکام المعیاریة المتعلقة بقیم الأفعال حقائق . ومطلق یرى أن یعتقد بالمصالح ویجب أن تطاع ، فلا یکفی مجرد الإحساس بها  ثم یقارن بین المذهبین بقوله " الفرق العملی بین هذا النوع الموضوعی من الأخلاق وبین النوع الآخر فرق شاسع . فالمادی من الأخلاقیین ، عندما یکون شعوره الخلقی مخالفا لما حوله من حقائق ، حری بأن یبحث عن انسجام بینه وبین البیئة بمحاولة التخفیف من حدة حساسیته الخلقیة . وبما أن الحقائق الواقعیة لیست خیرا ولا شرا فی نفسها فمن الهین علیه أن یغیر من میوله واتجاهاته نحوها ، أو أن یربّت علیها لتنام بکل ما تیسر له من وسائل وسبل . فما الإذعان والتوفیق والتغیر والدوران مع تغیر الزمن وتقلبه وتسلیم الضمیر وخضوعه إلا أسماء ، على هذا الرأی ، مناسبة لأمثل الطرق التی یوجد بها الانسجام بین الحالات النفسیة والحقائق الخارجیة ، وذلک الانسجام هو ما یعنیه بکلمة حسن أو خیر ، وأما المتمسک بالمذهب المطلق فی الأخلاق فالأمر عنده بالعکس فلیس له أن یتطلب الانسجام بتضحیة مثله عندما تتعارض مع البیئة ، فإن مثله یجب أن تکون کما هی من غیر تغییر ولا تبدیل "  ( ولیَم جیمس , 1949 ,  75)

تُعتبر الخبرة الحسیة هی المصدر للقیم التی تشعر الإنسان بالإرتیاح عند تحقیقها , ولا یعنی هذا أن الشعور بالارتیاح یعد قیمة بقدر ما تعنی أن المیول والنزعات هی المادة الأساسیة الطبیعیة التی تتکون منها الحیاة الطبیعیة ویجب أن تخضع للتجریب فإما أن یکون الإرتیاح عارضا وقتیا لا یعد قیمة وربما تتعارض رغبات الأفراد مع بعضها أو تتعارض رغبات الفرد ذاته . أما اذا کان الارتیاح ثابتا فیعد قیمة ینمو بنشاط المجتمع .

" وقد ظهرت مدرستان للإصلاح الاجتماعی , أحداهما تقول:   الأخلاق تنبع من الباطن , وإننا اذا شئنا تغییر النظم الإنسانیة  ، فیجب أن نعتمد على تطهیر النفس وتصفیة القلب . والأخرى تقول أن الإنسان ثمرة البیئة . وأن تغییر النظم یؤدی إلى تغییر الطبیعة الإنسانیة , أما مذهب دیوی فیقول إن السلوک تفاعل بین الإنسان والبیئة . بین ما هو طبیعی وما هو احتمالی . فهناک قوى داخل الإنسان وقوى خارجیة عنه أو الخیر فی التلاؤم البصیر بین الجانبین , والمقصود بالتلاؤم البصیر . تدخل الرویة Delibration فی توجیه السلوک " ( علی , 1995، 79) .

ویرى "جون دیوی" أن النشء یمر بمرحلتین فی تکوین القیم الخلقیة لدیه :

ففی المرحلة الأولى : تفرض الجماعة علیه قیم أخلاقیة ویکتسب أنواع من السلوک یجب على النشء القیام بها ، کما أنه یجب علیه الابتعاد عن أنواع أخرى من السلوک على أنها أخلاق مذمومة وسلوک خاطئ . وفی هذه المرحلة تعد الأخلاق أخلاقا خارجیة نتیجة مؤثرات خارجیة فهی صادرة من المجتمع ولیست من النشء نفسه .

أما المرحلة الثانیة : فالفرد یمارس سلوکا ذاتیا خاصا به  فالأخلاق لدیه أصبحت مسؤولیة فردیة وقرارا شخصیا وانجازا فردیا انتقل بها من کونها تلبیة لحاجات المجتمع وأخلاقا خارجیة فرضت علیه إلى إقتناع وإیمان بهذا السلوک الذی یمارسه من تلقاء نفسه ویشکل أخلاقا داخلیة تملی علیه ممارسة سلوک فردی معین قد اقتنع بأفضلیته ونشأ علیه .

" إن الدیمقراطیة والذکاء من وجهة نظر البرجماتی یستعدیان الواحد منهما الآخر . وفی نطاق بیئة دیمقراطیة یستطیع الذکاء أن یبلغ حریة التفکیر والتصرف التی تستلزمها من الناحیة المثالیة . ویجب أن تشجع المدرسة الروح الدیمقراطیة ایجابیا وأن تسمح لطلبتها بأکبر نطاق ممکن من الحکم الذاتی " ( مرسی ,2007، 224)

أن العلاقة بین سلوک الفرد ونتائج ممارسة هذا السلوک یکسب القیم الخلقیة صفة الموضوعیة " فالأخلاق التی تصوغ أحکامها القیمیة على أساس النتائج یجب أن تعتمد بطریقة أوثق على نتائج العلم . لأن المعرفة بالعلاقات بین التغیرات معرفة تمکننا من ربط الأشیاء کأسباب ومسببات  هی العلم . ومن هنا تسقط الفواصل بین القیم العلیا والسلوک . حیث یقاس هذا السلوک فی ضوء نتائجه وفی ضوء هذه القیم . ومن هنا کذلک یتصل السلوک الخلقی بالمستقبل حیث أنه یهدف الى تعدیل الظروف والإختیار من بینها على ضوء معرفة الخیر والشر "( علی , 1995، 80).

فکل عمل ینتج عنه نتائج مرغوب فیها فهو خیر , وکل عمل ینتج عنه نتائج غیر مرغوب فیها فهو شر ، فنتائج الأعمال معیارا لقیمتها کما أن الارتیاح لعمل ما ذو دلالة على قیمتها ولکن بصفة غیر مطلقة مالم یکن هذا الارتیاح ثابتا وذو أثر على حیاة الفرد والمجتمع .

ویرى ولیم جمس أن " فی الأخلاق مسائل متمایزة , ولابد أن تبقى کذلک متمایزة . وتقسم على التوالی : المسألة السیکلوجیة , والمسألة المیتافیزیقیة , والمسألة المعیاریة . تعنی الناحیة الأولى بالأصل التاریخی لأحکامنا ولنظریاتنا الأخلاقیة , وتهتم الناحیة الثانیة بشرح حقیقة کل من الحسن والقبیح والواجب , وأما الناحیة المعیاریة فتسأل عن مقاییس الحسن والقبیح " ( ولیم جمس ,1946, 80 ).

وخلاصة القول من وجهة نظر الباحث :

أن الفکر الأخلاقی فی الفلسفة البرجماتیة مبنی على المنفعة والمصالح فهی غیر ثابته وتتغیر من حال لآخر. کما أنها (أی الأخلاق) تنبثق من الروح المادیة ومرتبطة بالحیاة وظروفها الواقعیة التی تفرض على الانسان خلق معین فی ظرف معین، فالأخلاق عند البرجماتیة یصنعها الإنسان فیمکن إیجاد الخیر بمحاربة الشر ویمکن توجد مصادفة کما وجد العالم بالصدفة. فالأخلاق عندهم غیر مکتملة کما أن العالم غیر مکتمل، ولذلک یظل فی کفاح ونضال حتى آخر لحظة فی الحیاة.

ویتضح من ذلک سیادة المنفعة والدعوة إلى الحریة المفرطة حتى فی الفکر الأخلاقی کما أنها مجردة من رابط دینی أو فطرة خلقیة.

المبحث الثالث:

ــ مفهوم التصور الإسلامی :

   التصور الاسلامی هو " تصور مستنبط من القرآن الکریم  المعصوم من الخطأ والمحفوظ من التحریف ومن السنة النبویة المطهرة , فهو تصور روحی موحى به من خالق الکون والإنسان والحیاة وممن هو أعرف بحقیقة الموجودات فی السماء والأرض " ( علی , 2004, 168 ) .

ویقوم التصور الإسلامی على عدد من الأصول منها :

1-    الإیمان بسنن الله فی الکون

2-    الإیمان بأن کل مافی الکون مسخر للإنسان

3-    الشمول

4-    تربیة العقل على الدقة والتقید والحسبان

کما أن من خصائص التصور الاسلامی ما یلی :

1-    تصور ربانی  : مصدره القرآن الکریم والسنة النبویة المطهرة .

2-    تصور مبرهن : یقوم على إعمال العقل وإکتساب العلم

3-    تصور وسط : فعلى الإنسان أن یتبع الوسطیة فی جمیع شئونه وأن یبتعد عن المغالاة والتطرف .

4-    تصور ثابت : فالقرآن الکریم تعهد الله عز وجل بحفظه وبالتالی فإن مصدر التصور الإسلامی یتسم بالثبات  فهو شامل لجمیع شئون الحیاة فی کل زمان ومکان .

5-     تصور متوازن : فلا یطغى جانب على جانب آخر فالإنسان مخلوق من مادة وروح  لأجل العبادة , فالعبادة فی الاسلام تؤدی الى توازن الجانبین .

6-    تصور إیجابی : یرتقی بالإنسان الى منزلة ارتضاها الله تعالى له فیشعر بالسعادة فی الدنیا ویفوز بجنات النعیم فی الآخرة .

7-    تصور واقعی : یمارس الإنسان فیها حیاته بواقعیة ممتثلا لمنهج القرآن الکریم والسنة النبویة ، ومستفیدا من مختلف العلوم ومستخدما لجمیع التقنیات فجمع بین واقعه المادی والمعنوی .

8-    تصور تعبدی : فجمیع الأدیان السماویة أنزلت لغایة وهدف واحد وهی عبادة الله تعالى , ونظمت علاقة الانسان مع ربه أو مع نفسه أو مع الآخرین أو مع ما یحیط به من أسرار الکون .

 

الأخلاق فی ضوء التصورالإسلامی :

  تعرّف القیم بأنها " الحکم الذی یصدره الإنسان على شئ ما مهتدیا بمجموعة من المبادئ والمعاییر التی وضعها المجتمع الذی یعیش فیه ، والذی یحدد المرغوب فیه والمرغوب عنه من السلوک " ( السید , 2013، 137 )

ویمکن تعریف القیم الإسلامیة بأنها " مجموعة من المبادئ أو السمات التی حث علیها القرآن الکریم والسنة النبویة ، والتی تحدد شخصیة المسلم وفق منهج متکامل ، وتنظّم سلوکه وعلاقته بالله والکون وبمجتمعه وبنفسه ، وتعمل کمعاییر أو أطر مرجعیة موجهة للسلوک وضابطة له " ( السید ,2013، 138)

تقوم القیم الإسلامیة على عدة أصول تتمثل فی :

1-    المعرفة فطریة کانت أو مکتسبة :   فالإسلام دعا إلى المعرفة وحث العقل على التفکر والتأمل وادراک المفاهیم والمعتقدات الدینیة . ولقد أشتمل القرآن الکریم على القیم والأخلاق التی یصلح بها حال المجتمع وتسمو بها الأمة وتستقیم بها مقومات الحیاة . قال تعالى ممتدحا نبیه صلى الله علیه وسلم : (وَإِنَّکَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِیمٍ ) ( سورة القلم : الآیة 4)

2-    القدوة الحسنة : لقد بلغ النبی محمد صلى الله علیه وسلم من الخلق منتهاه وذلک بتطبیق ماورد فی القرآن الکریم من قیم عُلیا اتسمت بالکمال , سُئلت أم المؤمنین عائشة رضی الله عنها عن خلق النبی صلى الله علیه وسلم قالت : (کان خلقه القرآن ) ( رواه مسلم , 1991، 512 )

3-    الوجدان : فهو بمثابة وقود حرکة یدفع إلى قبول القیمة وممارستها فیقبل کل خلق محمود ویحوّل ذلک القبول الى سلوک یمارسه  .

4-    الدوافع الداخلیة : وهی السعی إلى تحقیق قیمة معینة فتدفع الفرد إلى ممارسة سلوک إیجابی مستمد من القرآن والسنة ویقبله المجتمع .

5-    السلوک : الذی یترجم درجة إیمان الفرد وما ترسّخ لدیه من قیم ومبادئ فهو ثمرة للإیمان تدفعه لفعل کل محمود ونبذ کل مذموم .قال تعالى یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) کَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) ( سورة الصف ) .

6-    النصح والتوجیه : فالدین الإسلامی مبنی على النصیحة فیه الدعوة إلى التعاون على البر والتقوى والنهی عن التعاون على الإثم والعدوان کما حث على التآمر بالمعروف والنهی عن المنکر قال النبی صلى الله علیه وسلم ( الدین النصیحة ) ( أخرجه مسلم ، 1991، 74 )

   أن الأخلاق الإسلامیة تنشئ مجتمعا مثالیا خالیا من المظاهر السلبیة متمسکا بالقیم الإسلامیة وفق ما جاء فی کتاب الله عز وجل وسنة نبیه صلى الله علیه وسلم . فالقیم الإسلامیة تقوم على الأسس الآتیة :

1-    الإلزام الخلقی  :

فالإلزام الخلقی لا یکلف الانسان فوق طاقته قال تعالى ( لَا یُکَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا کَسَبَتْ وَعَلَیْهَا مَا اکْتَسَبَتْ ) ( سورة البقرة ,  286 ) مما یعنی ملازمة الإلزام للطبیعة البشریة . فمصدر الإلزام هو الله تعالى الذی أمر ونهى لیحفّز الناس إلى عمل الخیر رغبة فی الأجر والثواب وما وعد الله به عباده الصالحین . ویردعهم عن فعل الشر خوفا ورهبة من العقوبة وما توعد الله به المذنبین . فالإلزام مسؤولیة تتحقق به العدالة ویسود الانضباط ویصلح النظام فیستشعر کل فرد ما یجب علیه فعله رغبة منه وبما یملیه علیه القانون الأخلاقی .

2-    المسؤولیة الأخلاقیة :

   یتمیز الانسان عن سائر المخلوقات بالعقل الذی جعله الله مناط التکلیف. ویجب على الإنسان أن یکون على وعی بحقیقة ما یکلف به , فکل فرد محاسب عما اکتسبه دون أن یحاسب على کسب غیره قال تعالى ( قُلْ أَغَیْرَ اللَّهِ أَبْغِی رَبًّا وَهُوَ رَبُّ کُلِّ شَیْءٍ ۚ وَلَا تَکْسِبُ کُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَیْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّکُم مَّرْجِعُکُمْ فَیُنَبِّئُکُم بِمَا کُنتُمْ فِیهِ تَخْتَلِفُونَ) ( الأنعام ، 164) إلى جانب ذلک المسئولیة الجماعیة کون الفرد فی موضع القیادة والقدوة , فهو قدوة للناس فی فعل الخیر والشر , فمحاسب على فعله وفعل من أقتدى به لقوله تعالى ( وَلَیَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ۖ وَلَیُسْأَلُنَّ یَوْمَ الْقِیَامَةِ عَمَّا کَانُوا یَفْتَرُونَ )( العنکبوت ،13 ) .

أن من عوامل ضبط المجتمع أن یتحمل کل فرد مسؤولیته الأخلاقیة التی تدفعه لفعل الخیر أو الشر . وهو مسؤول امام الله تعالى ثم أمام ضمیره والمجتمع الذی یعیش فیه .

3ـمسؤولیة الجزاء :

   إن من النتیجة الطبیعیة للمسؤولیة الأخلاقیة الجزاء الأخلاقی ثوابا کان أو عقابا فی الدنیا والآخرة فمّیز الله تعالى بین من یسعى بین الناس بالفضیلة وحفزه بالثواب والأجر العظیم وبین من یسعى بین الناس بالرذیلة فردعه الله تعالى وتوعده بالعقوبة فالجزاء من جنس العمل .قال الله تعالى : ( إِنَّ السَّاعَةَ آتِیَةٌ أَکَادُ أُخْفِیهَا لِتُجْزَىٰ کُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ  ) ( طه ،15)  

    " عندما تتمکن تعالیم الشریعة من نفس  الفرد ومشاعره تصبح بمثابة ضابط خلقی , یحاکم المرء نفسه إلیه عندما یقف أمام أمور مشتبهات , کبعض أسالیب البیع والشراء , وکذم الانسان یجاهر بالمعصیة , ونحو ذلک , والضابط الخلقی هنا غیر الوازع التربوی الدینی , فالوازع یبعدک عن موضوع المحرمات فی البیوع , فلا تقترب منها , والنظرة سهم مسموم فصن نفسک عن النظرإلى الأجنبیات , فإذا اضطررت من أجل معرفة الشخص فلک النظرة الأولى " . ( النحلاوی 2015، 58) .

خلاصة القول من وجهة نظر الباحث :

الله سبحانه وتعالى خلق البشر ویعلم ما یصلح أمرهم ویحقق لهم السعادة فی الدارین لذلک شرع للإنسان ما یصلح حاله ویقیم سلوکه. فهذب النفوس وفرض الأحکام وسن القوانین، فیتعامل الإنسان مع ربه بمبدأ العبودیة، ویتعامل مع من حوله بمبدأ الأخوة الإسلامیة، فالإسلام

ارتبطت جوانبه برباط أخلاق والهدف من ذلک تحقیق غایة أخلاقیة یتمثلها الناس فی تعاملاتهم ویعملون بها ولذلک ارتبطت الأخلاق برابطین طابع الهی وطابع إنسانی الغرض منه التطبیق العملی لما شرعه الله تعالى فالأخلاق روح الاسلام.

وتتمیز الأخلاق الإسلامیة بأنها ربانیة المصدر صالحة لکل زمان ومکان  بعیدة عن الأهواء وتغلیب المصالح، یتساوى فی ذلک جمیع البشر بل أنها خاضعة للحساب والجزاء.

الخاتمة:

تکاد تکون دعوة القرآن الکریم کلها دعوة إلى الأخلاق الفردیة والاجتماعیة، فالأخلاق تحتل قسماً کبیراً، ورکناً عظیماً من أرکان التربیة القرآنیة، سواء فی جانبها النظری أو فی جانبها العملی، وقد أجمع المربون الإسلامیون على: "أن التربیة الخلقیة هی روح التربیة الإسلامیة"، وأعظم ما  یتربى علیه الإنسان من العلوم، وربطوا بین الدین والأخلاق برباط وثیق یُفید: أن من لا خلق له لا دین له؛ بحیث لا یمکن أن یوجد متدین إلا وهو أخلاقی، ولا یمکن أن یوجد أخلاقی فی سلوکه حقیقة إلا وهو متدین"، فإن من المسلَّمات أن الإنسان لا یحیى بغیر أخلاق، والأخلاق لا توجد بغیر دین؛ ولهذا یُلاحظ ارتباط الأخلاق عند کثیر من  الشعوب السابقة بالطابع الدینی .

    إن فلسفة الأخلاق فی الإسلام مغایرة تماماً لفلسفة الأخلاق فی الغرب، ذلک أن فلسفة الأخلاق تهدف ابتداء إلى وضع أصول النظریة الخلقیة، کما تهدف إلى وضع المقاییس الخلقیة، وتحدید المثل الأعلى الأخلاقی، کما تحاول التعرف على الإلزام والواجب والمسئولیة الخلقیة بالعقل المجرد.

  تهدف الفلسفة الخلقیة الغربیة – فی العصر الیونانی القدیم وفی الحدیث کذلک – إلى وضع (نظریة اخلاقیة) مستمدة من العقل الإنسانی المحض، فی منطلقاتها وبواعثها وأسسها وغایاتها .. وفی کل ما یتعلق بها. إنها نظریة أخلاقیة تعتمد على العقل وحده فی کل جوانبها.

أما فلسفة الأخلاق فی الإسلام فإنها مختلفة ، لإن الإسلام قد أسس الأخلاق الإسلامیة ، ومن ثم یصبح دور العقل هو الفهم والوعی والموازنة والتحلیل والاستنباط لما جاء به القرآن والسنة، بحیث یقف على المنطلقات والبواعث، والحکم والمقاصد والغایات، والمبادئ والأسس، حتى یتعرف على الفضائل وحدودها، والرذائل وسماتها .. حتى یفقه المنهج الأخلاقی للإسلام کما جاء فی القرآن الکریم والسنة النبویة المطهرة  .

النتائج :
   ولقد توصل الباحث إلى عدة نتائج أهمها :

1-   أن القرآن الکریم مصدر ربانی أحتوى على ما یصلح حال الفرد والمجتمع .

2-   تربّى أصحاب النبی صلى الله علیه وسلم على المنهج القویم وعلى خلق من أتّسم بکمال الخلق .

3-   أن الأسلوب التربوی الأمثل مصدره کتاب الله وسنة نبیه صلى الله علیه وسلم .

4-   بناء الشخصیة المتمیزة للمسلم ترتکز على تنمیة القیم الإسلامیة .

5-   من أعظم الأسالیب التربویة التی تؤثر فی النفس القدوة الحسنة .

6-   مرونة القیم الإسلامیة وقبولها للتطبیق فی کل زمان ومکان .

7-   تنمیة القیم الإسلامیة یبعث على الرقی بالمستوى الدینی والثقافی و الاجتماعی .

8-   ضعف العقل البشری مهما کانت محاولاته للنهوض بقیم المجتمع وسلوکه مالم یرتکز على منهج ربانی وتشریع سماوی .

9-   تخبّط الإنسان فی عصور مختلفة لإیجاد قیم ومثل علیا اتسمت بالطبقیة وسیطرة الکنیسة والدعوة الى التحرر المطلق .

10-          أن التصور الإسلامی للأخلاق الفاضلة یربّی المسلم على آداء الحقوق والواجبات .

11-          أن التصور الإسلامی للأخلاق الفاضلة یدعوا الى ضبط سلوک الفرد وأفعاله وتصرفاته وفق ماجاء فی کتاب الله وسنة نبیه صلى الله علیه وسلم .

12-          تربیة الأفراد منذو الصغر على قیم التربیة الإسلامیة ینشئ مجتمعات متمسکة بدینها ومعتزة بقیمها وأخلاقها

 

 

 

التوصیات :

   توصل الباحث إلى عدد من التوصیات من أهمها :

1-   وجوب الاهتمام بالجوانب الإیمانیة فی التربیة .

2-   على المؤسسات التعلیمیة الترکیز على الأسالیب التربویة وتنمیة القیم الإسلامیة .

3-   أهمیة معرفة خصائص النمو لکل فئة عمریة لتمیة القیم الإسلامیة بنا یتفق مع خصائصهم .

4-   التنویع فی أسالیب تنمیة القیم الإسلامیة تربویا ومنهجیا .

5-   على وسائل الإعلام القیام بدورها فی إصلاح سلوک الفرد والمجتمع .

6-   الاستفادة من الخبرات السابقة وتفعیلها على أرض الواقع .

7-   ضرورة قیام الباحثین بدراسات تربویة للوقوف على سلوک الشباب ومدى تطبیق القیم الإسلامیة وإیجاد الحلول المناسبة لتنمیة الأخلاق الإسلامیة

المقترحات :

هناک عدة مقترحات منها :

1ـضرورة تضمین الکتب الدراسیة أسالیب تربویة حدیثة .

2ـتعزیز موضوع القیم الإسلامیة فی المناهج الدراسیة .

3ـأهمیة قیام الباحثین فی التربیة بالکتابة فی موضوع القیم الإسلامیة وتطبیق دراسات میدانیة على ذلک .

4ـ ضرورة مشارکة وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعی فی تنمیة القیم والأخلاق الإسلامیة لدى الشباب .

5ـ أهمیة قیام المسجد بدوره فی تعزیز القیم وتنمیتها .

                    والله من وراء القصد ومن أمامه

 

             مصادر ومراجع البحث

أولا : المصادر :

1-   القرآن الکریم

2-   صحیح مسلم , للإمام أبی الحسین مسلم بن الحجاج القشیری النیسابوری

( 1991 ) : صحیح مسلم ، تحقیق محمد فؤاد عبدالباقی ، دار إحیاء الکتب العربیة ، توزیع دار الکتب العلمیة ، بیروت

ثانیا : المراجع :

1-   العساف ، صالح حمد ( 2006 ) : المدخل الى البحث فی العلوم السلوکیة ، العبیکان للطباعة والنشر ( ط4 ) ، الریاض .

2-   ابن منظور ، أبی الفضل جمال الدین محمد بن مکرم ( 1993 ) : لسان العرب ، دارصادر ( ط3 ) ، بیروت

3-   ابن فارس ، أبی الحسین أحمد بن فارس ( 1979 ) : معجم مقاییس اللغة ، تحقیق وضبط عبدالسلام محمد هارون ، دار الفکر ، دمشق .

4-   الطلحی ، محمد محمود الیات ( 2002 ) : مکارم الأخلاق فی ضوء الکتاب والسنة ، مطبعة النرجس ( ط2 ) ، الریاض .

5-   عاشور ، محمد الظاهر ( 1984 ) : تفسیر التحریر والتنویر ، الدار التونسیة للنشر ( سحنون ) ، تونس .

6-   الزهرانی ، ضیف الله أحمد ( 2013 ) : سلامة الفکر والأخلاق طریق للحیاة الطیبة ، مکة المکرمة .

7-   علی ، محمد سعید عبده ( 3004 ) : علم التربیة وأسسه ، مکتبة الرشد ( ط2 ) ، الریاض .

8-   السید ، محمد عبدالرؤوف ( 2013 ) : مقدمة فی أصول التربیة ، دار طیبة الخضراء للنشر والتوزیع ، مکه

9-   مرسی ، محمد منیر ( 2007 ) : فلسفة التربیة اتجاهاتها ومدارسها ، عالم الکتب ، القاهرة .

10-                      زکریا ، فؤاد ( 2004 ) : جمهوریة أفلاطون ، دار الوفاء للطباعة والنشر ، الإسکندریة .

11-                      الشرقاوی ، محمد عبدالله ( 1990 ) : الفکر الأخلاقی دراسة مقارنة ، دار الجیل ، بیروت .

12-                      التکریتی ، ناجی ( 2012 ) : فلسفة الأخلاق بین أرسطو ومسکویه ، دار دجله ، عمان ، الأردن

13-                      الجیوشی ، فاطمة ( 1999 ) : فلسفة التربیة ( ط5 ) ، منشورات جامعة دمشق ، دمشق .

14-                      علی ، سعید إسماعیل ( 1995 ) : فلسفات تربویة معاصرة ، عالم المعرفة ، الکویت .

15-                      زیادة وآخرون ، مصطفى عبدالقادر وآخرون ( 2003 ) : الفکر التربوی مدارسه واتجاهات تطوره ، مکتبة الرشد ، الریاض .

16-                      المعجم الفلسفی المختصر ( 1986 ) : المعجم الفلسفی المختصر ، ترجمة توفیق سلوم ، دار التقدم ، موسکو

17-                      مرسی ، محمد منیر ( 1984 ) : فلسفة التربیة اتجاهاتها ومدارسها ، عالم الکتب ، القاهرة .

18-                      إبراهیم ، زکریا ( 1972 ) : کانت أو الفلسفة النقدیة ( ط2 ) ، مکتبة مصر ، القاهرة .

19-                      العوا ، عادل ( 1993 )  :  المذاهب الفلسفیة ، منشورات جامعة دمشق ، دمشق .

20-                      مهران ، محمد ( 1986 ) : فلسفة برتراند رسل ( ط3 ) ، دار المعارف ، القاهرة .

21-                      وین . ن ، رالف ( 1964 ) : قاموس جون دیوی للتربیة ، ترجمة محمد علی العریان ، مکتبة الانجلو المصریة ، القاهرة .

22-                      فینکس ، فیلیب ( 1965 ) : فلسفة التربیة ، ترجمة محمد لبیب النجیمی ، دار النهضة العربیة ، القاهرة

23-                      لالاند ، أندریه ( 1996 ) : موسوعة لالاند الفلسفیة ( ج2 ) ، ترجمة إلیاس مرقص ، دار الحقیقة ، بیروت .

24-                      جیمس ، ولیم ( ( 1946 ) : إرادة الاعتقاد ، ترجمة محمود حب الله ، دار احیاء الکتب العربیة ، القاهرة .

25-                      جیمس ، ولیم ( 1949 ) : العقل والدین ، ترجمة محمود حب الله ، دار احیاء الکتب العربیة ، القاهرة .

26-                      النحلاوی ، عبدالرحمن ( 2015 ) : أصول التربیة الإسلامیة وأسالیبها ، دار الفکر المعاصر ، بیروت .